الخميس، 17 يناير 2013

الشعب الجزائري أمام تحدي تقسيم الوطن والاحتلال الجديد إسماعيل القاسمي الحسني'

لم يفاجئني مقال هذا الأسبوع، تحت عنوان : الحرب في مالي ...و الهدف الجزائر 13/01/2013 ، ولا كذلكم ما نقلته صحيفة 'لوموند ديبلوماتيك' الفرنسية 14/01، حول قراءة تطورات الحرب في مالي، وتحديدا قبول السلطة الجزائرية بمرور طائرات حربية عبر أجوائها، بعد أن أعلنت مرارا على الصعيد الدبلوماسي (للاستهلاك الإعلامي) رفضها القاطع للحل العسكري الأجنبي في مالي.أقول هذا الكلام، لأني أشرت لواقع اليوم، في مقال تحت عنوان: 'المخابرات الجزائرية مسؤولة عن تقسيم الجزائر'. كتبته وأرسلته منذ ستة أشهر تقريبا 12/08/2012، لم يحظ حينها بالنشر على صحيفة 'القدس العربي'.
أنقل من هذا المقال الفقرة التالية:ب... مع أن واقع الحال يقرر بأن أجهزة المخابرات القوية في العالم، تجمع بين الوظيفتين، المعلوماتي والعملياتي، ولست أرى ضرورة للاستدلال على هذه الحقيقة؛ حقيقة الفارق بيننا ظاهر الأمر، أن السياسيين لا يعملون بما يعرض بين أيديهم، لكن في المقابل: هل يصح أن أترك الأمر للسياسي ونحن نرى بأم أعيننا بأن البلد ذاهب للتقسيم وبتواطؤ مع هذا السياسي ذاتهت!؟ بأي عذر وحجة ؟ب. هذه الرؤية حينذاك لم تكن تنجيما، ولا اتهاما أجوفا اعتباطيا لا يقوم على دليل، إنما هي قراءة متأنية لعلاقات فرنسية-جزائرية، مضاف إليها معلومات مؤكدة من مصادرها، كلها كانت تصب نحو تعاون مؤسسة الرئاسة والجيش الجزائريتين مع نظيرتيهما الفرنسيتين. أذكر هنا أني التقيت أحد الناطقين الرسمين لوزارة الخارجية الجزائرية في مكتبه، وعندما لاحظت آلات متطورة تمنع التجسس، أعربت له عن إعجابي بالأمر، فسخر مني مقرا بأن كل شؤوننا تحت الرقابة الفرنسية، وهذه الأجهزة لا قيمة لها، شعرت بالصدمة حينها، وتذكرت تصريح اادوارد بالديرب الوزير الفرنسي، اثر اختطاف طائرة فرنسية من مطار الجزائر أواسط التسعينيات، على القناة الفرنسية، الذي أكد فيه وجود بارجة بحرية على حدود المياه الإقليمية الجزائرية، ترصد كل الاتصالات بما فيها ما يخص الرئاسة ومؤسسة الجيش، وأكد بكل كبرياء أن الايلزي هو أول من علم بحالة اختطاف الطائرة، وهو ذاته من قام بإشعار االيامين زروالب رئيس الدولة آنذاك.
يضاف على هذا، التناقض الصارخ بين تصريحات المسؤولين الجزائريين والواقع على الأرض، فالمتابع للشؤون الجزائرية لطالما سمع برفض الجزائر بتواجد قوى 'أفر يكوم' على أراضيها، والحال على الأرض أنها موجودة عمليا، ففضلا عن الشهود العيان الذين أكدوا هذا التواجد، وزارة الداخلية أصدرت تعليمات تمنع دخول الجزائريين لمحافظات جنوبية إلا بترخيص، وأعلنت مؤسسة الجيش مناطق عسكرية محظورة، اللافت أنها ليست أكثر من قواعد عسكرية، ممنوع دخولها على عناصر الجيش الجزائري نفسه، تنشر 22/10/2010 صحيفة 'لوكانار اونشنيه' المقربة من دوائر الاستخبارات الفرنسية مقالا عن قواعد عسكرية أمريكية في الجزائر، وتنشر إذاعة 'مونتي كارلو' تحقيقا خطيرا حول ذات الموضوع 2012؛ قضية اليوم في مالي ليست وليدة الأمس، فمنذ أن أعلنت فرنسا عن نيتها بالتدخل العسكري، أعلنت السلطة في الجزائر عبر ممثليها سواء وزير الخارجية (تصريح لقناة العربية)، أو حتى رئاسة الجمهورية، رفض الجزائر المطلق لهذا الطرح، وامتناعها عن تقديم أي مساعدة بهذا الشأن، بل أصبح معلوما لدى المتابعين أن الجزائر وموريتانيا كانتا سدا دون العمل العسكري الفرنسي، لكن ومباشرة بعد زيارة 'فرنسوا هولا ند' الرئيس الفرنسي، والتي تلتها زيارة 'أمير' خليجي، وبين الزيارتين، أهم قناة فضائية والأكثر تأثيرا على الشارع العربي، وهي تابعة لذات الإمارة، تبث شريطا تحت عنوان 'حراك الشارع الجزائري'. تعرى موقف السلطة الجزائرية من ثوبه الشفاف للاستهلاك الإعلامي، وفتحت سماء الوطن وأرضه لطائرات حربية فرنسية.
قد يسأل القارئ: وما علاقة هذه التفاصيل التي لا تعني بالضرورة عنوان المقال؟ أقول: موضوع تقسيم الجزائر ليس وليد خيال الكاتب، أو هواجس مبنية على فوبيا المؤامرة الخارجية، إنما هي وثائق فرنسية رسمية، يعود بعضها لعام 1948، وقد صرح بهذا رسميا الجنرال'ديغول' 16/09/1959 وضمن دستوره المشبوه تقسيم الجزائر لدولتين، شمالا وجنوبا، المعروف باسم مشروع قسنطينة 13/10/1958، وإن كان الشعب الجزائري قد أحبط هذا المخطط الجهنمي بمواصلة ثورته المباركـــة، وتقديم مزيد من الشهداء في سبيل ليس تحرير الجزائر فحسب وإنما الحفاظ كذلك على وحدتها الترابية؛ فإن فرنسا لم تيأس من إمكانية تقسيم الجزائر، ذلك ما تكشف عنه وثيقة للاستخبارات الأمريكية، رفع عنها مؤخرا التحفظ تعود لتاريخ 24/01/1962. بهذه المعطيات وغيرها لا يتسع المقال لذكرها، لا يمكن اعتبار مشروع تقسيم الجزائر لدولتين فكرة مبنية على فوبيا المؤامرة الخارجية، بل هي مشروع استراتيجي قائم على أدلة وشواهد، وله نظيره في بعض الدول العربية.
هنا علينا أن ننتبه إلى أن أكثر من 60' من وزراء رئيس الجمهورية الحالي، يحملون الجنسية الفرنسية، منذ أن تولى مقاليد السلطة، وهذا ليس من قبيل الصدفة، ذات النسبة تقريبا تنسحب على أعضاء مجلس الشيوخ من ثلثه، وهو الموضوع الخطير الذي تعرضت له الصحافة الوطنية منذ سنوات دون أن تحدث التغيير المرجو طبعا. ويستخلص من كل ما سبق ذكره، أن فرنسا ماضية في تنفيذ مشروعها، عبر أدواتها داخل الوطن، مستبقة بذلك كما فعلت مع ليبيا (حسب آخر تصريح لبرلسكوني) أي تغيير قد يحدث في الجزائر، وها هو مجلس الأمن يدعم برنامجها ويسنده بقوة 15/01، بعد أن كانت الولايات المتحدة تبدي تحفظا باستحياء.
أخيرا سيناريو تقسيم الجزائر سيكون على النحو التالي: تدفق النازحين من قبائل الطوارق من شمال مالي نحو جنوب الجزائر فرارا من الحرب بأعداد هائلة، لا يمكن بحال للجزائر أن تمنعها، تفتعل أحداث إرهابية في جنوب الجزائر، تتقاطع كما هو واقع اليوم، مع مظاهرات شعبية عارمة لسكان بعض عواصم محافظات الجنوب، كما هو حاصل اليوم في محافظة ورقلة وغيرها، الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة، يكون ذلك ذريعة كافية لفرنسا ومن وراءها، لفرض استقلال إقليم الصحراء الجزائرية، تكون قد أعدت له معارضة في أحضانها، واعتمدت كما جرت العادة مطالب شعبية شرعية يقابلها نظام دكتاتوري يمارس الظلم الاجتماعي بكل وجوهه. بهذا يكون العالم الغربي قد وضع يده على مخزون الطاقة (بترول-غاز) وغيرهما من الثروات والمعادن، واستبق أي تغيير قادم في الجزائر بحكم الضرورة لا محالة، ويبقي ورقة إقليم القبائل أو(الأمازيغ)، الذي تكونت حكومته المؤقتة في فرنسا وبتزكية منها منذ سنوات، إلى حين الحاجة إليه للضغط على الشعب الجزائري أكثر.
إن من يعود لكتاب أحمد سعيد تاج الدين 'محنة أمة...ماذا يجري في العراق؟ الذي استدل فيه، على خطة تقسيم العراق لثلاثة أقاليم، بأنها تعود لعام 1957، وهو الواقع الماثل اليوم أمام أعيننا، قد يعلم بأن ما تضمنه المقال، قد يكون لا سمح الله واقعا آخر مرا، نراه رأي العين، ما لم يتدارك الشعب الجزائري أمره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق