الأحد، 13 يناير 2013

تعطيل التنمية أم تعطيل العدالة؟.د. عبدالله الحامد

قدم الدكتور عبدالله الحامد 7 مذكرات رداً على مزاعم المدعي العام فوزان الفوزان غير المشفوعة بدليل واتهاماته بالجرمية في قضايا رأي لا يجرمها شرع ولا عقل ولا قانون. المذكرة السابعة قدمها الدكتور الحامد في الجلسة الثامنة للمحاكمات التي طالت مسؤولي (حسم/ جمعية الحقوق المدنية والسياسية)، للقاضي حماد بن محمد العمر، المعيّن هو الآخر من وزارة الداخلية، وذلك في الجلسة الثامنة والتي عقدت في الثامن من ديسمبر الجاري، وعموم مجريات القضية، وطبيعة الإتهامات السخيفة وغيرها يمكن استخلاصها من خلاصة هذه المذكرة وما جرى في الجلسة. وهنا بعض المقتطفات التي وردت في المذكرة:

.المظاهرات السلمية تعبير وحق من حقوق الإنسان الشرعية في الإسلام (باعتبارها البديل العملي الوحيد الذي يسحب البساط من تحت أقدام العنف والتطرف)، والشرع أباحها (إن لم تكن واجبة) لأنها من وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن

د. عبدالله الحامد
المنكر ورفع الظلم الفعالة. والنظام لم يمنعها، حتى لو أثبت أن بيان (عشرون اقتراحا لنجاح ثقافة المظاهرات) دعوة صريحة إليها. وقد قال المدعي في دعواه ما نصه: (مخالفا بذلك أنظمة الدولة وبيان هيئة كبار العلماء بتاريخ 1-4-1432هـ ) لكنه لم يذكر النظام الذي خالفناه إن كان موجودا (وهو غير موجود).
بيان هيئة كبار العلماء ـ بتحريم التظاهرات ـ اجتهاد منهم بغير دليل معتبر شرعا، بل الدليل الشرعي على خلافه. ولو كان رأيا راجحا لكان غير ملزم، لأنه يقابل اجتهاد أضعافهم من العلماء (المستقلين) بجوازالمظاهرات السلمية التي لا تضر الممتلكات العامة والخاصة، ولا الأنفس (وهذا القيد هو المعتبر شرعا).
حينما انتقدنا بيانهم لم نطعن في أشخاصهم، بل عبرنا عن رأينا في بيانهم وحق التعبير حق مشروع، مارسه الصحابة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وكفلته مواثيق الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان في العالم التي وقعت المملكة على الالتزام بها.
كل الأعمال التي قمنا بها مباحة، كالمطالبة بالعدل والمساواة في توزيع الثروة، وتوظيف العاطلين، وكف أيدي المتطاولين عن أراضي الأمة، وحفظ المال العام، ومعونة المحتاجين، وتبييض سجون المباحث السياسية، والتحقيق في عدد المساجين والتعذيب، والاعتقال التعسفي، وإنشاء مجلس نواب منتخب، ووضع هيئات مراقبة ومحاسبة لا يستثني الأمراء، فإن كل هذه الطلبات مشروعة، لأنها حق وعدل، وأمر بمعروف ونهي عن منكرات كبيرة.
قال المدعي العام عني: ليس بغريب على مثل المذكور ما أقدم عليه من أفعال، أن يجهد نفسه في العمل على (تقرير ضلالات)، ينسبها لدين الله؛ و(يتخذها دينا، ويتعبد بها) والله ورسوله منها براء. طلبت منه إثبات هذه الضلالات، إثباتا شرعيا، أو اعتذاره، عن ما نسب إلي، وأشاعه عني من قدح في عقيدتي وديني، ليضلل القضاء ويشوهني أمام الرأي العام.
تخيل المدعي أنني(صحفت) اسم ابن عثيمين، إلى عقيمين، وأن التصحيف مقصود، وبنى على هذا التوهم أكواما من الخيال. والواقع أن المدعي (حرف) كلاما لي في الجلسة الخامسة، تحدثت فيه عن أن تويتر والفيس والانترنيت ليست مصدرا سليما يصلح بينات قضائية. والذي أذكره أنني قلت: إنني سقت (في تويتر) قولا سياسيا لابن عثيمين، من (شرح رياض الصالحين)، فعلق علي بعض المتابعين وقالوا: لقد (صحفت). فعدت إلى حسابي في (تويتر)، فوجدته بالثاء، فتعجبت: كيف يكون عندي بالثاء، وعند هؤلاء المغردين بالقاف، وتوقعت أحد أمرين: إما أنهم مباحثيون يشوشرون، أو أن ثمة اختراقا من جهات (كيد) مشبوهة، وأنها – إذن - تضع صورا مسيئة وتضع تغريدات، وتعدل تغريدات وتلغي حسابات. المدعي العام بهذا الأسلوب يعلن إفلاس حججه، فالحمد لله الذي ألجأه إلى هذا المستوى، وكشفه أمام القضاء، وأمام شهود الله في أرضه.
تمحل المدعي العام في الاستدلال، يدل على بطلان استدلاله، واستثمر استشهادي على أن العمل السلمي (جهاد) بآية: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا)، وحديث “جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم”. لكن المدعي العام، ادعى أنه يلزم من استدلالي بهذه الآية على أن العمل السلمي جهاد، أنني أكفر الحاكم وأصفه بالكفر والشرك، وذلك غير صحيح. فأنا لا أكفر لا الحاكم ولا غيره من المسلمين، وقد بينت وجه الاستشهاد في المذكرة (6) عن الجهاد السلمي، واستدلالي بالآية والحديث، صريح شديد الوضوح، في أنهما دليلان على أن (الجهاد السلمي) مشروع. فهل المدعي العام شديد الجهل أو الغباء، لا يحسن منهج الاستدلال الشرعي؟، أم ألجأه عصف الهوى إلى لي أعناق النصوص؟ وهذا من الأدلة الجلية على أن الدعوى كيدية. وأطالب القضاء بمعاقبة المدعي العام على هذا الافتراء.
حاول المدعي إيهام القضاء بأنني أزدري أشخاص هيئة كبار العلماء (على العموم) عندما قال: (بم يوصف من أخذ ينتقص هيئة كبار العلماء، ولم يسلم منه حتى الأموات، بل وصف اثنين ممن انتقل إلى رحمة الله بالغفلة)؟ وغرض المدعي العام، ليس الذب عن عرض العلماء الصالحين، الذي يتصور أننا ننتقصه، إنما هو الدفاع عن أعضاء الهيئة، الذين يصدرون فتاوى سياسية تفتك بحقوق الشعب، وتسكت عن الجور والظلم، ونهب الأراضي، وحرمان الشباب والفقراء.
قال المدعي العام: (بم يوصف من دعا إلى ترك الأخذ من العلماء الكبار الذين أفنوا حياتهم في تعلم الدين وتعليمه، وشابت لحاهم في ذلك، فالجميع عيال على الهيئة)؟ من قال إن الجميع عيال على الهيئة سواه؟ هذا زعم باطل، فالعلماء المجتهدون كثير. أليس هدفه من زعم الناس عيال على فتاوى الهيئة سياسيا قضائيا، لاتخاذ فتاواهم (سهاما) يرمون بها المدعى عليهم؟ أليس المدعي العام والقضاء يستثمران (صلاح) ابن باز وابن عثيمين وهيئة كبار العلماء (الشخصي)، للأخذ بفتاوى سياسية، لا تنبثق من شروط البيعة العشرة، ولا من تصور السمات العشر للدولة الحديثة طبيعة ووظيفة. فزعمه أن الناس عيال على الهيئة، كلام مرسل من دون دليل. لا ننكر ما لهم من فضل، ولكن في البلاد مئات بل ألوف الفقهاء (المستقلين) المجتهدين وغيرهم كثير من أساتذة الجامعات، وهم كفقهاء الهيئة ليسوا معصومين، بل يؤخذ من كلامهم ويرد، فهل فقهاء الهيئة معصومون؟
كل اجتهاد يدعم الاستبداد، ويسكت عن الفساد، فعليه علامة استفهام، إن لم نقل إنه غير صحيح. الهيئة رأس مدرسة لم تكتف بـترويج مبدأ (الصبر على السلطان الجائر) الشائع أولا. بل طورته إلى مبدأ (دعم السلطان الجائر) ثانيا. وطورته منذ عهد الملك فهد إلى دعم (حكم التمييز العنصري) ثالثا. بدلا من المطالبة بشروط البيعة، تركت عنانه مطلقا. ولم تكتف هيئة العلماء بالسكوت بل شهدت له في بيانها 1/4/1432هـ بالقول: (المملكة العربية السعودية قائمة على الكتاب والسنة والبيعة). وفتاواها لا تنبثق من عمل بشروط البيعة (العشرة) ولا بالفوارق (العشر) التي تختلف بها الدولة الحديثة في طبيعتها الشمولية ووظائفها المتعددة. وقد زلت هيئة العلماء (غافلة) عن منهج أهل السنة والجماعة، والسلف الصالح، فشاركت (غافلة) في دعم تيار أمراء سرقوا مال الشعب وأراضيه وحريته وكرامته وولايته على الحاكم (دعما بسكوتها تارة، ودعما بنطقها تارة أخرى).
سنّت هيئة العلماء السكاكين للأمراء والسجانين والمحققين، وصارت فتاواها (قواعد قضائية) للقضاة القساة لينحروا بها حقوق الإنسان والمعتقل، فكانت فتاواها من أسباب التطرف والعنف. من الذي أنتج الاحتقان والعنف والتطرف؟. إنه كل من سكت عن نهب المال العام، وعن كل من نهب أراض الشعب على وجه الخصوص بملايين الأمتار، ومارس التمييز العنصري وانتهاك المساواة، فضلا عن تجريم العمل السلمي كالمظاهرات، والفتك بحرية الرأي والتعبير الشرعية؛ ما أسهم في العنف والتطرف الحكومي، وفي انتاج العنف والتطرف المضاد، أي تطرّف وعنف الجماعات والأفراد.
لم نشكك كما ادعى المدعي العام في (صلاح أشخاص) هيئة كبار العلماء، ولا سيما الشيخين عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمنا الله وإياهما، فقد عرفناهما، ونشهد بما للجميع من تواضع وإخلاص واحتساب. وإنما شككنا في (صلاح فتاواهم السياسية والحقوقية)، وقلنا إن سبب (أخطاء هيئة العلماء) خلل منهجي كبير في فقه العقيدة السياسية في الإسلام. ثم إن نقد هيئة العلماء أمر مشروع، فهل هي هيئة مقدسة لا يجوز نقدها، ولا تخطئتها؟
حاول المدعي العام إيهام القضاء بأن المظاهرات ضلالات: عندما قال: (بم يوصف من يدعو العاطلين عن العمل، وأهالي المعتقلين إلى الخروج في مظاهرات؟)، فهو يعتبر المظاهرات دلالة على أنني أنشر ضلالات أتخذها دينا أدين الله به. وقد سبق لي أن بينت أن دعم المظاهرات علامة هداية لا علامة ضلالات. (أكرر): دعم المظاهرات علامة هداية لا علامة ضلالات، لأن مظاهرات إنكار المنكرات: جهاد سلمي يشرع فيه التعرض للأذى حتى الاستشهاد. فالحمد لله الذي جعل علانية المحاكمة نوراً يكشف ذهنية وثقافة المدعي العام الحقوقية (ومن هم خلفه) كبرهان جديد يكشف كيده وتلفيقاته وشبهه التي درج على إلصاقها بشبابنا المتظاهرين ونحوهم في محاكمات الظلام بدعاوى الخروج والفتن وعصيان الإمام التي ملأ بها اللسجون. وليثبت أنه ـ كهيئة العلماء ـ من الذين أنتجوا العنف والتطرف. لقد أنتجوه لأنهم جرموا العمل السلمي، فهل يثبت المدعي العام أن وزير الداخلية الجديد كسابقه قمعي عنيد؟ وأنه من عوامل القمع والتطرف؟ المهم ان يعرف الناس اسلوب المدعي العام في محاكمات الظلام السرية. والمدعي لم يدرك أن العلانية أدخلت الرأي العام في المعادلة وهم (شهود الله في أرضه عليه وعليّ وعلى القاضي
نعم أسست ـ مع مجموعة من المجاهدين السلميين ـ جمعية (حسم) للدفاع عن (الحقوق المدنية والسياسية)، والشرع يبيح هذا النشاط، فعلى المدعي العام أن يثبت أن (حسم) تخالف النظام أو الشرع. ولأن (نظام الحكم) يجعل المرجعية هي الشريعة، فقد أبطل (النظام) كل نظام آخر يخالف الشريعة. نعترف بإنشاء الجمعية، ونعتبر إنشاءها جهادا سلميا كبيرا واحتسابا عند الله، ونصيحة للأمة والإمام، وما فعلناه مشروع في الشريعة والنظام.
نعم المُلك السعودي (بضم الميم) سلطان جائر، مجسداً بقمع وزير الداخلية السابق المهيمن؛ والملك عبد الله رائد مرجو لإصلاح الحكم الجائر: نعم أصف الملك في محاضراتي ومقالاتي بأنه (قائد الإصلاح)، فهل يلزم من ذكري حديث (خير الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) أنه جائر؟ واستنباط المدعي العام من عبارة (سلطان جائر) أنني أصف الملك بأنه سلطان جائر، من باب لزوم ما لا يلزم من التأويل والتعسف في الاستدلال. وإنما أصف المُلك (بضم الميم) السعودي بأنه جائر، لأنه جبري مستبد، وكل جبري فهو جائر، أو مفض إلى الجور. أما الملك(بفتح الميم) السعودي فقد ورث مظالم سلطان جائر، ولكنه قال لدعاة (البيعة الشرعية: ولاية الأمة/ خطاب رؤية لحاضر الوطن..).. قال سيضرب هامة الظلم بسيف العدل، فلننتظر - بعد وفاة وزير الداخلية السابق – فإنْ وفّى بما وعد، واستطاع إقامة حكم شوري (الملكية الشورية = الملكية الدستورية، فهو مصلح عظيم، وإن لم يفعل فهو سلطان جائر، ولكنه أقل من سلفه جورا، وينبغي أن يستمر الجهاد السلمي في حكمه، حتى يلتزم شرط البيعة: ولاية الأمة.
يحاول المدعي العام - ربيب وزارة الداخلية في سياستها الكيدية ـ أن يستعدي القاضي علينا، وأن يضلل القضاء بدعوى كررها مرارا: أننا نقدح في القضاة. وٍأقول: إن القضاء السعودي لا يضمن حقوق الناس ولا سيما الحقوق السياسية، ولا يتوقع عدله، وإن كان مرجوا، لأكثر من عشرين سبباً، وهذا (رأي)، فإن كنتم أيها القاضي تحاسبون على الرأي، أو لديكم ما يستدعي البينة، على أن القضاء يفتك بحقوق الشعب أتيتك بها.
اتهام (تعطيل التنمية) أم (السعي لتعطيلها) كلاهما خيال خصيب. يقول المدّعي العام إنه إنما اتهمني (بالسعي إلى تعطيل التنمية)، ولم يتهمني (بتعطيل التنمية) والفرق بينهما لفظي بسيط. ولكن (تعطيل التنمية) نموذج لنهج لوائح الاتهام: التهويل والتضخيم لإثارة الرأي العام، وتحريض القضاة، وهي طريقة جربها المدعي العام (ومن هم خلفه) فوجد نفعها، وضرب بها كثيراً من دعاة حقوق الإنسان، بل الفقهاء والمحدثين. إن تهم: (تعطيل التنمية، وتدمير مقدرات الأمة، والدعوة إلى الفتن والفرقة، وتفتيت الوحدة الوطنية، والشقاق، والخروج، وزعزعة الأمن، ونشر الفوضى في الأوقات العصيبة، وذم القضاة والعلماء) غرضه أن يستفز بها القضاة. ثم يضيف المدعي العام بعدها إلى ذلك كله: تهمة القدح في الملك، ثم يعمد الى ليّ أعناق الآيات والأحاديث وأقوال العلماء، ولا سيما هيئة كبار العلماء. إنه أسلوب المدعي العام المكرس لضرب (حرية الرأي والتعبير) بتضليل الرأي العام، وتخويف القضاة، ليحكموا وفق هوى وزير الداخلية.
على المدعي أن يقدم الأدلة على ثبوت ما ذكر من معلومات، ثم يثبت أنها جرائم بموجب نص نظامي أو شرعي صريح، وعليه أن يحدد العقوبة التي يطالب بها (بنص شرعي أو نظامي). أما التخرص فهو من اتباع الهوى، والله يقول: (ياداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى، فيضلك عن سبيل الله؛ إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب).

هناك تعليق واحد: