الأربعاء، 16 يناير 2013

السلام عليكم .تمبكتو الطوارق الإفريقية عمارة تلدها الصحراء


مدينة تمبكتو من أهم المدن المالية وأعرقها، تأسست في القرن الحادي عشر ميلاديا على يد القبائل الطوارقية العربية واشتهرت باعتبارها أهم الحواضر والمدن الإسلامية في ما يعرف بالسودان الغربي وكانت همزة الوصل التي تربطه بالصحراء الكبرى. كانت تمبكتو مرحلة أساسية في طريق القوافل البرية التجارية بين شمال إفريقيا وغربها، وهي أيضا ملتقى لتجار الملح القادمين من تودني.

تقول الروايات الشفوية المتداولة أن تمبكتو أو "تين بكتو" أسسها الطوارق سنة 1080 م وأن هؤلاء البدو الرحل، تعودوا الترحال صيفا في اتجاه نهر النيجر ومناطقه الخصبة، ثم العودة إلى أراضيهم في فصل الشتاء، وهو ما دفعهم لاختيار منطقة تقع وسط الطريق بين صحرائهم ونهر النيجر يستعملونها لتخزين مؤونتهم الغذائية واحتياطيهم المخبأ لأيام القحط. ويقال ان هذا الموقع كانت تقطنه عجوز طوارقية من قبيلة "مقشرن" اسمها بكتو وأضيف لها لفظ" تين" الذي يفيدُ الملكية أي أن ذلك الموقع يعود للعجوز بكتو. لكن هذه الاسطورة او الرواية تفندها وتشكك فيها الدراسات التاريخية تبعا لصعوبة بقاء امرأة لوحدها في تلك الظروف المناخية والطبيعية والتي تفتقد الامن. لكن الثابت أن تلك المرأة كانت لها حظوة ومكانة مرموقة لدى سكان المنطقة وربما تحولت إلى علم من أعلامها.

منذ تأسيسها تحولت تمبكتو إلى قرية عامرة بسكان البادية الذين واصلوا حياة الترحال وممارسة الرعي والمقايضة والاستفادة من موقع قريتهم في ملتقى الطرق التجارية. ساهم الموقع كذلك في حصول تزاوج بين السكان الاصليين وبين العرب الوافدين من مناطق غدامس "ليبيا حاليا" وطرابلس والمغرب الأقصى فضلا عن بقية قبائل الطوارق، حيث صاهر هؤلاء أمراء وحكام مالي إلى درجة انصهارهم الكلي في المجتمع وهو ما أتاح بروز ثقافة تأخذ من الخصوصيات المحلية للقبائل المؤسسة، ومن الميزات الحضارية والدينية للجماعات الوافدة على المنطقة.

تضافرت عوامل عديدة في ازدهار سريع لتمبكتو أولها موقعها الاستراتيجي في طريق تجارية مزدهرة، والثاني هو تنوّع المشارب الحضارية والدينية للتجار والقوافل، أما العامل الثالث فهو تعزز العاملين السابقين بحركة صوفية كثيفة كانت تنطلق من المغرب الإسلامي في اتجاه إفريقيا جنوب الصحراء بهدف نشر الدين الإسلامي بدون سلاح، وقد سجلت كتب التاريخ آثار أسماء عديد رموز التصوّف العربي الذين مروا بالمدينة او أقاموا فيها، وتشير المصادر هنا إلى كثرة الأسماء الإسلامية لدى سكان تلك المناطق مثل "يحي" و"التيجاني" و"عمر" و"عبد القادر" وغيرها وهي أسماء تحيل إلى رموز التصوّف مثل أبو العباس أحمد التيجاني "1737-1815" وغيره، وهو ما سمح لتمبكتو بأن تتحوّل إلى عاصمة تجارية وثقافية ودينية للمنطقة بأسرها.

مساجد المدينة

تعبيرا عن انتمائها إلى الفضاء العربي الإسلامي تكاثرت المعالم التاريخية والدينية في مدينة تمبكتو وأهمها كثرة الجوامع التي كانت تنهضُ بمهمة دور العبادة وبدور المدارس والمراكز التربوية. وأشهر جوامع المدينة هو جامع تمبكتو الكبير أقدم واكبر مساجد المدينة ومنطقة غرب إفريقيا. ولئن لا يعرفُ على وجه التحديد تاريخ تأسيسه إلا ان المرجح أنه شُيّدَ في مطلع القرن السادس هجريا "الثالث عشر ميلاديا" أي في الفترة التي تلت إنشاء المدينة لأن المسلمين دأبوا على تأسيس المساجد الجامعة كلما استقر بهم المقام في مكان معين، وكان بناؤه في البداية متواضعا يعكس الظروف الاقتصادية آنذاك وضعف الحجم السكاني.

جدد بناؤه السلطان المالي "الحاج منسا موسى "1307-1332م" بعد عودته من الحج عام 1324 وبنى له صومعة، وتقول بعض المصادر أن المهندس الأندلسي الشهير أبو إسحاق إبراهيم الساحلي المعروف باسم الطويجن هو من صمم المسجد وأشرف على تشييده.

يشتهر بتمبكتو كذلك مسجد "سنكري" الذي تم بناؤه على يد القاضي العاقب بعد بناء المسجد الكبير واكتمل تشييده في أواسط القرن العاشر الهجري حيث يقول المؤرخ القاضي محمود كعت صاحب كتاب "الفتاش في اخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس" أنه "في سنة تسع وثمانين وتسعمائة شرع في بناء مسجد سنكري" ثم يضيف ""وفي يوم الخميس ثاني عشر من المحرم سنة ست وثمانين بعد تسعمائة شرع القاضي العاقب في تجديد بناء مسجد سنكري".

نضيف كذلك مسجد سيدي يحي التادلسي الذي شيّده محمد نقي الذي ينتمي إلى قبيلة آجر الصنهاجية ويرجّح انه شُيدَ في منتصف القرن الخامس عشر ميلاديا، ولكن تمبكتو لم تكن تضمّ هذه المساجد الثلاثة فقط بل ضمت مساجد وجوامع أخرى لم تصل إلى شهرة ومكانة المساجد آنفة الذكر، وقد عدد المؤرخون مساجد تمبكتو في أوج ازدهارها "إلى حدود فترة ما قبل الاستعمار الفرنسي" وأشاروا إلى انها كانت تضم تسعة مساجد.

كانت هذه المساجد وخاصة الكبرى منها تلعب دورا تعليميا وثقافيا مهما يضاهي ما كانت تقوم به جوامع الأزهر في القاهرة او الجامع الأموي في دمشق او الزيتونة في تونس، إذ تحتضن حلقات الدراسة التي تختتم بالحصول على شهائد علمية ودينية معترف بها وهو ما يسميه بعض المؤرخين بالتعليم المسجدي الذي يجمع بين التخصص الفقهي الدقيق وبين الثقافة العامة الإسلامية وهو تعليم قديم وأصيل استفاد من الطرق الصوفية التي كانت ترسلُ رموزها وشيوخها إلى المنطقة.

ارتباطا بالحديث عن الطرق الصوفية التي كانت تلعب دورا كبيرا في نشر الدين الإسلامي في منطقة غرب إفريقيا، حفلت مدينة تمبكتو بعديد المزارات والمقامات الصوفية وزوايا الأولياء الصالحين والأضرحة، واشتهرت بأنها مدينة الـ333 ضريحا ومقاما.

ايذاء المعالم التاريخية

وتعرضت هذه المعالم التاريخية والأثرية مؤخرا إلى هجمة عنيفة من قبل جماعات أنصار الدين بعد إحكام سيطرتها على المثلث الاستراتيجي "غاو- كيدال- تمبكتو" ولم تتورع جماعات أنصار الدين اعتمادا على شرطتها الدينية عن استعمال معاولها لهدم هذه الأضرحة والمزارات بدعوى انها ترمزُ إلى الشرك والكفر بالله. بدأت عملية التدمير الممنهج في أبريل/نيسان ثم استؤنفت في يوليو/تموز الماضيين، وأخيرا أعلنت الحركة خلوّ تمبكتو من أيّ مزار بهدم آخر ضريح في المدينة في كانون الاول/ ديسمبر 2012.

تدمير أضرحة تمبكتو ومعالمها التاريخية أعاد إلى الاذهان ما حصل في آذار/مارس 2001 في منطقة باميان الأفغانية عندما حطمت جماعة طالبان تماثيل بوذا التي تعود إلى آلاف السنوات. ويبدو أن استهداف آثار وتاريخ تمبكتو يمثلُ اعتداء على تاريخ الانسانية جمعاء، خاصة وأن آثار المدينة مسجلة ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي منذ عام 1988، إضافة إلى أن المدينة تمّ اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2005، وهو ما يستدعي استنفارا دوليا لحماية ذاكرة الإنسانية من تطاول جماعات دخيلة على التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق