الخميس، 3 يناير 2013

سيتحدث المؤرخون عن ذبح الشعب السوري وفشل السعودية وقطر والجزائر وامريكا الاخلاقي والاستراتيجي.

 

بدأ عام 2013 في سورية بمعارك شديدة وقصف للجيش السوري لمواقع المقاتلين في دمشق واغلاق لمطار حلب الدولي، والامور مرشحة للتصاعد مع دخول الازمة السورية عامها الثالث بدون حل في الافق.
ومع دخول العام الجديد يظل السؤال مطروحا حول مآلات الازمة والخاسرين والرابحين فيها، فالاجماع على ان الخاسر الوحيد فيها هو الرئيس السوري بشار الاسد وزمرته الحاكمة، لكن في المحصلة العامة فالخاسرة هي سورية التي دخلت حالة من الفوضى والدمار، تحتاج لاجيال كي تصلح ما افسدته الحرب واحدثته من جراح نفسية وعلى النسيج الاجتماعي.
ما يحدث في سورية ليس مسؤولية السوريين وحدهم، ولكن اطراف المجتمع الدولي التي تتقاتل في ما بينها حول الحل وطريقته، ولكن المعارضة على الاقل تلوم الولايات المتحدة والغرب على ترددهما بتقديم الدعم العسكري لها كي تكون قادرة على هزيمة بشار الاسد، فما ينقصها بعد كل الانجازات التي حققتها سوى اسلحة ثقيلة معها ان حصلت على الكثير منها عبر سيطرتها على القواعد العسكرية التي انسحبت منها القوات النظامية.
وفي هذا الاطار اي النقاش حول سورية دار نقاش على صفحات 'واشنطن بوست' بين جون ماكين (نائب جمهوري عن اريزونا) وجوزيف ليبرمان (سناتور مستقل عن كونيكتيكت) وليندزي غراهام (نائب جمهوري عن ساوث كارولينا) من جهة وارون جوزيف ميلر حول مسؤولية الولايات المتحدة عن الفوضى في سورية.
ففي مقال للثلاثة تحت عنوان 'سورية تهبط للجحيم' نشر يوم الاثنين، جاء فيه ان سورية بنهاية عام 2012 تنزلق نحو الهاوية، حيث قتل حتى الآن اكثر من 40 الفا والعدد مرشح للارتفاع، اضافة لملايين السوريين الذين اجبروا على اللجوء والفرار من منازلهم. واشاروا الى تطور الحرب من احتجاجات سلمية والطريقة التي رد فيها النظام اولا باستخدام الدبابات في شباط (فبراير) الماضي الى المروحيات والمقاتلات واخيرا اخذ يستخدم صواريخ 'سكود'.
واضافوا ان العالم ترك السوريين لمصيرهم وان الرئيس باراك اوباما، فقط تحرك للتحذير من خطر الاسلحة الكيماوية التي اعتبرها 'خطا احمر'، ونقلوا ما قاله السوريين لهم ان خط اوباما الاحمر ما هو الا 'ضوء اخضر' للاسد كي يفعل ما يريد ويذبح السوريين بدون خوف من العقاب. وجاء في المقال ان الاسد الذي استخدم كل نوع من السلاح في حوزته لن يتردد في استخدام الاسلحة الكيماوية.
مخاطر على الاستقرار الاقليمي
وحذر النواب الثلاثة من مخاطر الحرب في سورية على الاستقرار الاقليمي، خاصة الدول الجارة، تركيا والعراق ولبنان والاردن واسرائيل، وانه كلما طال امد الحرب زادت فرص توسع الصراع الطائفي في المنطقة.
وذكر النواب الثلاثة بدعواتهم المتكررة للادارة الامريكية وحلفائها في اوروبا والمنطقة على زيادة الجهود ودعم القوى المعتدلة من المعارضة السورية، وكرروا دعواتهم الى تسليح المعارضة مباشرة لجماعات المقاتلين الموثوق فيها، والى اقامة منطقة حظر جوي في مناطق من سورية، مشيرين الى ان ايا من الاقتراحات لا تقتضي تصرف امريكا وحدها وتتطلب ارسال جنود لسورية.
ويقول النواب ان حلفاء امريكا عبروا عن املهم بتدخل اقوى من الادارة في الازمة وعن احباطهم بأخذ واشنطن موقع المتفرج. ومن مظاهر فشل ادارة اوباما هو الوضع الانساني المتردي، ففي الوقت الذي ترفض فيه الادارة ارسال اسلحة او المساهمة في اقامة منطقة حظر جوي، فهي تصر من جهة اخرى على ان تصل المساعدات الانسانية للشعب السوري، ولكن جهودها تفشل في هذا الاتجاه، حيث نقلوا عن مسؤولين امريكيين واوروبيين ان نسبة 70 بالمئة من الدعم الامريكي الانساني يصل الى المناطق التي تقع تحت سيطرة القوات السورية، فيما نقل عن زوار مدينة حلب قولهم انهم لم يروا اي اشارة عن الدعم الامريكي، ولم يسمع السكان عن هذا الدعم. مما ادى الى جوع اللاجئين في الشمال الذين يعيشون تحت رحمة المطر والبرد.
وجاء في المقال ان فشل الولايات المتحدة في توفير الدعم الانساني للسوريين لم يؤد الى سوء اوضاعهم، بل فتح مجالا للجماعات المتطرفة كي تتقدم وتدعم السوريين حيث اصبحوا الطرف الوحيد الذي يقدم الدعم لهم. وفي المقابل فالجماعات السورية المعتدلة فقدت مصداقيتها وعاجزة لغياب الدعم الامريكي.

الثمن الباهظ

ويقول المقال ان استمرار الازمة يعني ثمنا باهظا يدفعه السوريون والدول الجارة وكذا امريكا التي ستتضرر مصالحها وموقعها في المنطقة.
ويقول النواب ان الوقت لم يفت لمنع هذه المصيبة الاستراتيجية والاخلاقية، لكن الامر يحتاج الى قيادة حازمة وواضحة من امريكا وتحديدا من اوباما. وطالب النواب الولايات المتحدة وحلفاءها بايصال الدعم للائتلاف السوري الجديد، كي يصل للمناطق التي يسيطر عليها المقاتلون، كما يجب دعمهم بالاسلحة واقامة منطقة حظر جوي واستخدام صواريخ باتريوت لحماية سكان الشمال من القصف الجوي الذي يقوم به النظام.
وحذر النواب الثلاثة من انه في حالة بقاء واشنطن على موقفها الحالي، فالمؤرخون في المستقبل سيكتبون عن ذبح السوريين الابرياء والضرر الذي حصل لمصالح امريكا القومية وموقفها الاخلاقي.

غطرسة ابوية

يرد ارون ديفيد ميللر المستشار في منبر السياسة الاسرائيلي والباحث في مركز وودرو ويلسون، على النواب في مقال نشر يوم امس الاربعاء جاء فيه، ان من يحمل اوباما والولايات المتحدة مسؤولية ما يحدث في سورية مخطئ ولا يفهم اولويات السياسة الخارجية والمصالح الوطنية الامريكية التي يجب ان تنتبه الى مشاكل البيت بدلا من ان تدور حول العالم وتحل مصائب الاخرين.
واعتبر ميللر ان النقاش الذي يتحدث عن مسؤولية واشنطن وقدرتها على تشكيل نتائج الحرب ما هو الا تعبير عن 'غطرسة ابوية'، وتحليل قاصر اضر بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط طوال الاعوام الماضية. ويضيف ان واحدة من محاسن الربيع/ الخريف العربي ان الشعوب العربية اصبح مالكة لمصيرها، ايا كان الامر حسنا او سيئا. مؤكدا ان الاحداث التي تؤرق المنطقة جعلت التغيير حقيقة وجاء من الداخل. ويضيف ان البعض تحدث عن ضرورة التدخل العسكري في سورية، من خلال اجراء مقارنة مع ليبيا حيث قالوا اننا ساعدنا بالاطاحة بنظام القذافي فلماذا لا نفعل نفس الامر مع سورية؟

بين ليبيا سورية

ويجيب انه في الحالة الليبية ان المجتمع الدولي كان مجمعا في المقام الاول على القيام بعمل عسكري في ليبيا، وتحديدا عبر الامم المتحدة والناتو. اما الامر الثاني فليبيا من منظور عسكري كانت ثمرة قابلة للسقوط في اي لحظة، نظامها كان ضعيفا ولم يكن لديها نظام دفاع جوي قوي ولا اسلحة دمار شامل او حلفاء اقوياء، اضافة الى ان المعارضة الليبية سيطرت على مناطق كان بامكانها العمل منها وتنظيم صفوفها. وبالمقارنة فسورية مختلفة فهي تجمع اسوأ العناصر القابلة للاشتعال: حرب اهلية طائفية وتدخلات الدول الخارجية. ويقول ميللر ان النقاش الذي يقول ان الولايات المتحدة هي التي خلقت هذه الفوضى سيكون مقبولا لو كانت هناك خيارات جيدة للتدخل في البداية، مما ادى الى تجنب هذا المصير. لكن الواقع لم يكن كهذا، فمنذ بداية هذه الازمة عام 2011 حملت خيارات التدخل مخاطر، خاصة ان الاسد لديه حلفاء مثل الصين وروسيا، اضافة لتصميم الاسد على البقاء وقدرته على الحفاظ على تماسك النخبة العلوية الامنية والعسكرية حوله، مما يعني ان خيار التدخل العسكري لم يكن كافيا للاطاحة بالنظام او يمنح المعارضة المسلحة الفرصة لتحقيق النصر. فوقف عدوانية النظام او الاطاحة به كان يحتاج الى ضغط عسكري مباشر، وربما ارسال قوات تدخل، وهذه الامور استبعدت منذ البداية، كما استبعدت نصف الحلول، مثل تسليح المعارضة وانشاء منطقة حظر جوي.
ويقول ميللر ان المخططين الامريكيين لم يكونوا يعرفون ما كان سيؤدي اليه التدخل العسكري، الذي ربما دفع كلا من روسيا وايران الى زيادة الدعم العسكري للنظام. اما الامر الاخر وهو الاهم فهو اثر التدخل العسكري على الجهود الامريكية لنيل دعم روسيا لمواصلة الضغط على ايران بسبب مشروعها النووي.

تسليح المعارضة

وفي النهاية يتساءل عمن سيكون مسؤولا عن تسليح المعارضة؟ ويجيب انه ربما كان لجيران سورية، خاصة السعوديين والقطريين، مصلحة او دور في تسليح الجماعات المتشددة لكن ليس للولايات المتحدة مصلحة. وبالنسبة للاتراك يقول ميللر ان اوباما لم يمنع، رئيس الوزراء التركي طيب رجب اردوغان من التدخل عسكريا. لكن اردوغان يواجه قيودا داخلية تمنعه من التدخل، فلا الرأي العام التركي ولا
الـ15 مليون علوي في تركيا الذين يدعمون النظام في دمشق يرغبون في حرب مع سورية. ويقول ان مأساة سورية تكمن في ان الكثير من الدم نزف ومع ذلك لم يكن كافيا كي يجبر المجتمع الدولي المنقسم والمشغول بنفسه وحماية مصالحه على التدخل.
ومع انه لا احد يملك جوابا على سؤال ما لو تدخلت الولايات المتحدة بطريقة اكثر قوة، لكن تحميل واشنطن مسؤولية الازمة او الاقتراح ان ادارة اوباما ادت لترديها يفشل في فهم الطبيعة القاسية للمأساة السورية ومحدودية القوة الامريكية والاولويات القومية الامريكية.
ويقول ان الولايات المتحدة خارجة من اطول حربين في تاريخها، حيث اصبح معيار النصر 'ليس متى ننتصر؟' لكن 'متى ننسحب؟'. واشار في نهاية مقاله الى الاستطلاع الذي اجري لصالح الصحيفة اي 'واشنطن بوست' وجاء فيه ان غالبية الامريكيين تفهم مخاطر التدخل.
ويعلق بالقول على ان امريكا يجب ان لا تكون شرطي العالم، او حلال المشاكل مسؤولة عن اصلاح كل مصيبة. وقال ان امريكا لا تسيطر على التاريخ، ومن الاحسن ان ننتبه لاصلاح بيتنا المحطم عوضا عن الجري هنا وهناك ونحاول اصلاح كل بيت في العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق