الخميس، 17 يناير 2013

"ثورة تونس" تاهت بين ثنايا التجاذبات السياسية والحسابات الحزبية


انهت الثورة التونسية الإثنين عامها الثاني بعد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، في ظل حكم حركة النهضة الإسلامية ضمن إطار إئتلاف مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات.
ويعتزم الإئتلاف الحاكم الإحتفال بالذكرى بحضور عدد من الرؤساء العرب، منهم الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والفلسطيني محمود عباس،فيما تأكد تغيّب الرئيس المصري محمد مرسي، خلافا لما أُعلن سابقا على لسان الناطق الرسمي باسم الرئاسة التونسية.

ورغم أهمية هذه الذكرى في تاريخ تونس الحديث،فإن الأجواء المصاحبة لها لا تعكس حماسا ولا ابتهاجا، بل عكست احتقانا وتوترا واضطرابات واحتجاجات شعبية، وسط حالة من الإحباط واليأس تجاوزت رجل الشارع لتشمل النخب السياسية والفكرية،والمراقبين من الخارج.


ولا يتردد المهتمون بالشأن التونسي في القول إن "ثورة تونس" تبدو اليوم تائهة بعد أن فقدت بوصلتها بسبب حكومة فشلت في تبديد الغيوم الكثيفة التي أحاطت ولا تزال تحيط بهذه "الثورة" التي اختلف حتى أهلها حول تسميتها.


ويبدو الإختلاف بين من يسميها "ثورة الياسمين"،وآخر "فاتحة الربيع العربي"،وثالث "ثورة الحرية والكرامة"، ورابع يكتفي بالقول إنها "ثورة 14 يناير2011"، في حين يسميها آهالي سيدي بوزيد مهد هذه الثورة بـ"ثورة 17 ديسمبر2010"،كمقدمة لحالة التخبط والإرتباك الذي تعيشه تونس اليوم، والتي تعمقت بوصول حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم في إنعطافة تاريخية إلى الوراء بحسب غالبية القوى السياسية والإجتماعية في البلاد.


ولا تُشكك القوى السياسية بنتائج الانتخابات التي أوصلت حركة النهضة إلى الحكم، ولكنها لا تتردد في القول إن "ثورة تونس" تم الإلتفاف عليها وتجويفها ،حتى أُفرغت من مضمونها، وصولا إلى سرقتها، وتوظيفها لغير ما قامت من أجله.


وقال عطية العثموني الناطق الرسمي بإسم لجنة المتابعة ودعم آهالي سيدي بوزيد، وأمين عام حزب صوت الإرادة ليونايتد برس انترناشونال إن الثورة التي إندلعت قبل عامين من مدينة سيدي بوزيد التي ينتمي إليها، "سُرقت للأسف الشديد من قبل القوى السياسية التي تتصارع الآن من أجل الكراسي".


وأضاف العثموني إن "ثورة 17 ديسمبر" كانت لها "شعارات واضحة تتمثل في الحرية والديمقراطية والكرامة والشغل، ولكن بعد عامين نلاحظ أن هذه الشعارات مازالت قائمة لأن الترويكا الحاكمة ليس لها البرامج الواضحة التي تتماشى مع مطالب الثورة".


وتابع أن "ثورة تونس" تاهت بين ثنايا التجاذبات السياسية التي ثبت بالملموس إنها تجاذبات فوقية لا علاقة لها بالمطالب الشعبية التي مازالت مُغيبة، لأن النخبة السياسية تبحث فقط على الكرسي،ولا تهتم بقضايا الناس".


وأضاف العثموني الذي كانت مشاركته لافتة أثناء الحراك الإجتماعي الذي عرفته سيدي بوزيد في بداية الثورة أن هذا التيه "ترافق مع هجوم ممنهج على بعض المكاسب التاريخية للبلاد، وخاصة منها مدنية الدولة وحقوق المرأة وحرية الرأي والتعبير،وهنا مكمن الخطر".


ويرى مراقبون أن تونس شهدت خلال العام الأول من حكم الإئتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة الإسلامية، اضطرابات هي الأسوأ على مختلف الأصعدة، السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية، ويُرشح استمراها خلال العام الجاري بحدة أكبر، بالنظر إلى الإستحقاقات الإنتخابية المرتقبة.


ويلف المشهد السياسي التونسي حاليا حالة من الإحتقان والتوتر اتخذت منحى تصاعديا بات يُهدد تماسك الإئتلاف الحاكم، الذي وجد نفسه أمام عاصفة من الإنتقادات والإتهامات،وصلت إلى حد وصف الحكومة الحالية برئاسة حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة الإسلامية بـ"الفاشية"،و"الديكتاتورية".


وتُحمل المعارضة الحكومة مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية، الذي يتجلى في تواصل الإضطرابات والمواجهات العنيفة التي اتسعت رقعتها لتشمل غالبية المحافظات مستعيدة الأجواء الأولى التي سادت خلال الإحتجاجات الإجتماعية التي إنتهت بالإطاحة بنظام بن علي في 14 يناير2011.


وبينما قال العثموني إن الثورة في تونس "مازالت تائهة لم تحقق أهدافها"، قال محمد براهمي الأمين العام لحركة الشعب إنها "ثورة الشعب بأكمله حررت الجميع وفتحت آفاقا رحبة أمام جميع ، وبالتالي لا يحق لأي طرف الإستحواذ عليها والإستئثار بها مهما كانت الدوافع،وأيا كانت الغايات حتّى وإن بدت نبيلة في ظاهرها".

وقال براهيمي ليونايتد برس انترناشونال إن الأوضاع الراهنة في البلاد"تُعزّز الشك بالمستقبل الذي تحاول حكومة حركة النهضة فرضه على المجتمع ،ويبرّر خيبة الأمل التي تنتاب عموم الشعب الذي يعاني أصلا بسبب تدهور المقدرة الشرائية وتراجع الخدمات الصحية ناهيك عن تفشي البطالة والجريمة المنظمة والإنحراف".

وحذر من أن محاولات الإستحواذ على الثورة والتفرّد بالسلطة بحجة الشّرعية الإنتخابية قائلاً إنها الأسباب الرئيسية "لإخفاق السلطة في إدارة شؤون الدولة وتراجع النمو الإقتصادي وتعطّل التنمية وتنامي الإحتقان الإجتماعي، ذلك أن أسلوب السلطة الفجّ في تعاطيها مع الإحتجاجات الإجتماعية قد عمقّ الأزمة وهو ما يفتح الباب أمام إحتمالات الفوضى والعنف المنظّم".


ويرى خبراء أن تونس مقدمة خلال العام الجاري على وضع خطير بسبب استفحال البطالة التي ارتفعت نسبتها في صفوف الشباب لتتجاوز 18 بالمئة، وتراجع الإستثمارات وارتفاع نسبة التضخم لتقترب من 6 بالمئة، واتساع العجز التجاري،ما ساهم في تدهور القدرة الشرائية للمواطن.

وأخطر ما ستواجهه تونس خلال العام الجاري، هو شبح الإفلاس، بعدما غرقت في المديونية،حيث اعتبر حمة الهمامي، الناطق الرسمي بإسم الجبهة الشعبية (إئتلاف حزبي معارض)، أن تونس قد "تتعرض لإنهيار مالي في غضون 6 أشهر إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات حاسمة".

ويُقر الإئتلاف الحاكم في تونس بأن البلاد دخلت في مأزق، وأن شبح الفوضى يتهددها، حيث حذر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة من تحول الثورة إلى "فوضى" قائلا قبل يومين من الذكرى الثانية للثورة التونسية،إن"بلدانا كثيرة استطاعت الإطاحة بنظامها والطغاة، لكنها لم تقدر على بناء دولة ديمقراطية بسبب سوء استعمال الحرية".


وأضاف الغنوشي الذي تقود حركته الإئتلاف الحاكم في كلمة له أمام حشد من أنصاره،"لا نريد أن تتحول الثورة التونسية إلى فوضى، لا نريد أن تكون تونس مثل الصومال".


غير أن هذا الإقرار التحذيري الذي يتردد كثيرا على لسان الفريق الحاكم، لم يمنع الفاعلين في المجتمع المدني والحقل الثقافي من القول إن أخطر ما في هذا المأزق هو أن القوى السياسية التونسية تجد نفسها اليوم بعد عامين من إندلاع الثورة "تناضل للحفاظ على المكاسب التي حققتها تونس خلال السنوات الماضية، وبخاصة مدنية الدولة والمساواة بين المرأة والرجل،وحقوق الإنسان وإستقلالية القضاء...".

وقالت آمنة المنيف رئيسة جمعية(كلنا تونس) ليونايتد برس انترناشونال، إن تونس تعيش اليوم "تضاربا جوهريا بين إرساء دولة عقائدية دينية ثيوقراطية أي دولة المؤمنين المنتمين لطائفة ومذهب وقراءات وتأويلات صاحب السلطة وبالتالي الموالين للسلطة، وبين إرساء دولة مدنية، أي دولة القانون والمؤسسات والمواطنة، يتساوى فيها كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، من دون اي وجه من أوجه التمييز".

واعتبرت المنيف أن تونس تشهد بعد مرور سنتين على ثورتها" تواصل أزمة سياسية لسببين أساسيين، الأول هو غياب روزنامة سياسية واضحة تحدد الأفق السياسي وتوضح الرؤى وتضفي رؤية إستشرافية للمستقبل، والثاني تأخر في صياغة الدستور والمصادقة عليه".

وأرجعت تأخر صياغة الدستور إلى "الخلاف حول ضرورة التنصيص على المنظومة الكونية لحقوق الإنسان،وحرية الضمير وتحييد دور العبادات، وإلى التنصيص بوضوح على حقوق المرأة،وهو خلاف يؤشر إلى المخاطر المحدقة بمدينة الدولة وبالحقوق والحريات وبالمرأة المعرضة إلى الرجوع إلى مرتبة دونية في ظل ممارسات تمس بحرية التعبير وإستقلال القضاء و الحريات الفردية".

من جهته قال المخرج السينمائي محمد الزرن صاحب فيلم "إرحل"، أو"الشعب يريد"،ليونايتد برس انترناشونال إن الوضع في تونس "لا يبعث على التفاؤل بكل بساطة".


وتابع الرزن" بعد عامين من الثورة نشهد تراجعا للحريات، نحو انحدار عميق ومخيف، وسط تهديدات متزايدة لأهل الفن والإبداع بشكل عام،حيث تزايدت القيود بشكل كبير،وذلك على عكس ما طالبت به قوى الثورة".

وقال إن طرق باب تقييد الحريات "يعني أننا بدأنا الدخول في عهد جديد من الديكتاتورية مهما كانت الحكومة والخطاب الذي تحاول تسويقه،وهذا أمر خطير وخطير جدا".
ولا يخفي رجال الإعلام والثقافة والفن في تونس خشيتهم وقلقهم من الأجواء السائدة حاليا التي تؤشر إلى سعي لتقييد حرية الرأي والتعبير والإبداع تحت مسميات عديدة، حيث تعالت أصواتهم للتحذير من "وجود خطة لدى حركة النهضة لأسلمة تونس"، وتظاهروا في أكثر من مناسبة للتنديد بهذا التوجه الخطيرعلى مستقبل تونس.

وسط هذه الأجواء المشحونة بالهواجس والقلق المشروع الذي تغذيه تداعيات أمنية خطيرة، يبدو أن تيه "ثورة تونس"، وضياعها بين ثنايا التجاذبات السياسية، والمفاهيم الأيديولوجية، وبين تضاريس الحسابات الحزبية الضيقة، والمراهنات الخاطئة، سيتواصل إلى أن يعود الرشد للنخبة السياسية التي عليها ضبط الوضع ديمقراطيا على أساس التوافق لتحقيق الإستقرار السياسي والإجتماعي.


ويرى المراقبون إنه في حال عدم الضبط هذا سينتفض "المارد الشعبي" من جديد ليعيد الثورة إلى مسارها الحقيقي الذي حدده شعارها الأول"الحرية والكرامة، والحق في التنمية والتشغيل" الذي وحد كافة أبناء تونس ما سرّع بسقوط نظام بن علي في أقل من شهر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق