الاثنين، 21 يناير 2013

شروطي في الفتاة التي أنشدها زوجًا لي وأمًّا لأولادي..القرضاوي

بدأ إخواني وأصدقائي من حولي يسألونني عن شروطي في الفتاة التي أنشدها زوجًا لي وأمًّا لأولادي. فقلت لهم: إن لدي أربعة شروط لست مستعدًا لأن أتنازل عن واحد منها...
 
بدأ إخواني وأصدقائي من حولي يسألونني عن شروطي في الفتاة التي أنشدها زوجًا لي وأمًّا لأولادي. فقلت لهم: إن لدي أربعة شروط لست مستعدًا لأن أتنازل عن واحد منها:
الأول: أن تكون من أسرة طيبة، ذات معدن أصيل، وأن يظهر ذلك في دينها وسلوكها، فلا أريد (خضراء الدِّمَن) وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء. فلا بد أن تكون محافظة على الصلاة، فهذا أمر أساس.
قالوا: هل تشترط أن تكون محجبة؟ قلت: أستحسن هذا ولا أشترطه، لندرة المحجبات في ذلك الوقت، ولكن لا تكون متبرجة.
والثاني: ألا يقل تعليمها عن الشهادة الثانوية، ولو كانت جامعية، فهو أفضل، حتى تستطيع أن تتفاهم معي، وأتفاهم معها، وأن تساعد أولادها في المستقبل.
والثالث: أن تكون على قدر من الجمال يرضيني؛ فخير النساء من تسر إذا نظرت، وتطيع إذا أمرت، والجمال أمر نسبي، فما يعجبني قد لا يعجب غيري، وما يعجب الآخرين قد لا يعجبني. والناس في ذلك جد متفاوتين. المهم أن أراها فتدخل قلبي. والناس يقولون: الحب مستغن عن الجمال؛ يعنون: أن الرجل قد ينظر إلى امرأة فتستهويه وتملك عليه قلبه من أول نظرة، وهي في عينه ملكة جمال، والآخرون ربما لا يرون فيها شيئا من الجمال.
والرابع: شرط غريب في نظر الكثيرين، وهو: أن يكون لها إخوة أشقاء من الذكور خاصة، وسر ذلك: أني وحيد أبي، فليس لي إخوة، ومعنى هذا: أن أولادي لن يكون لهم أعمام؛ فينبغي أن يكون لهم أخوال.
هذه شروطي الأربعة، التي أعلنتها وأشعتها بين الأصدقاء، وعلى أساسها يجب أن يكون بحثهم معي عن النصف الآخر، وقد طفقوا يبحثون، وطفقت أنا أبحث أيضا.
محاولات عدة لم يكتب لها التوفيق
وفي أثناء بحثي عثرت على فتاة رأيتها ضالتي التي أنشدها، كانت تدرس معي في معهد الدراسات العربية العالية، وفي قسم اللغة والأدب الذي أدرس فيه، وهي على قدر ملائم من الجمال يرضي تطلعي، وهي خريجة قسم اللغة الإنجليزية من كلية الآداب، ويمكن أن تساعدني في تعلم اللغة، وهي محجبة، وعلى غاية من الأدب والحياء وحسن السلوك، وهي تصغرني بنحو خمس أو ست سنوات، وسألت عنها، فعرفت أنها غير متزوجة، ثم عرفت أنها شقيقة أحد الإخوة الأفاضل، كان زميلا لي في معهد طنطا، وإن كان بعدي بسنتين، وكان من طلاب الإخوان، فاستبشرت بذلك؛ فهو يعرفني جيدا وأنا أعرفه، وبالفعل كتبت إليه أطلب التقدم لخطبة شقيقته إذا لم يكن هناك مانع. وسرعان ما جاءني جوابه يحمل كثيرا من الثناء عليّ، والترحيب بي، وأني نعم الزوج، ونعم الصهر.. لولا أن شقيقته مخطوبة لابن خالها من الصغر.
وقلت هنا ما يقوله الناس في هذا المقام: "الزواج قسمة ونصيب".
وبدأ الأصدقاء يرشحون لي أسماء لفتيات من مدن وبلاد شتى؛ فأحيانا أرفض العرض لنقص شرط من الشروط التي وضعتها.
من ذلك أن أحد إخواننا الوعاظ، وكان معنا في مدينة العريش في شهر رمضان، كان هو مبعوثا من الأزهر، وكنت أنا مبعوثا من وزارة الأوقاف، وقد رشح لي فتاة من قريته قريبا من دمياط، هي وحيدة أبويها، وترث من أبيها ستين فدانا، وهي ثروة تغري الكثيرين، ولكني أعرضت عنها لسببين:
السبب الأول: أنها وحيدة أبويها، وأنا أشترط أن يكون لزوجتي أشقاء.
السبب الثاني: أني عرفت أنها كانت مخطوبة لضابط بالجيش استشهد في مقاومة العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م، فخشيت أن تكون معلقة القلب به، وهذا قد يسبب مشكلة نفسية في المستقبل.
ورشح لي أحد الإخوة في محلة أبو علي ابنة قريب له في قرية (الراهبين) بجوارهم، ولكنهم اعتذروا، ولعل وضعي المادي لم يقنعهم، فقد كنت موظفًا في أولى درجات السلم الوظيفي، وليس لي ميراث من أبي أو أمي؛ فما الذي يجعلهم يرضون بي على هذا الوضع، والرجال كثير؟
ورشح لي أحد الإخوة من المحلة ابنة قريب له من إحدى قرى مركز المحلة، كان معنا في السجن الحربي، وكان من خيرة من عرفت دينا وخلقا وفضلا، ولكنه من أسرة كبيرة من أعيان قريته، ولا غرو أن جاءني الرد بالاعتذار، وأعتقد أن هذا من حقه؛ فالفرق الاجتماعي بيننا كبير، فأنا من أسرة صغيرة من الفلاحين أو من الأهالي، وهو من أعيان القوم.
وأعتقد أن هذا كان خطأ مني في تقدير الأمور؛ فالرجل –وإن كان من صفوة الإخوان- من عائلة كبيرة لها تقاليدها. ومثلي لا يصلح لها، وخصوصا مع وضعي المادي والوظيفي الناشئ، صحيح أن تراثنا يقول: العالم كفء لبنت السلطان، وكم من علماء تزوجوا من بنات الأمراء والوزراء. ولكن لا بد أن يكون العالم في وضع مادي يسند ظهره.
على أن تفسيري هذا ليس حتميا؛ فقد يكون الرجل نظر إلى الأمر نظرة أخرى، وهو أني رجل معرض للزلازل والمحن في حياتي بحكم عملي الدعوي، وهو لا يريد لابنته أن تبتلى بالمحنة التي ابتليت بها زوجته حين اعتقل، ومن حق كل أب أن يحرص على ما يراه ضروريا لسعادة ابنته.
وكذلك رشح لي بعض إخواني في المحلة ابنة شقيق أخ معروف منهم، وهو من أعز أصدقائي، وهي في السنة النهائية بقسم اللغة العربية بكلية الآداب، وتوشك نتيجتها أن تظهر، وأنها على قدر طيب من الجمال. وفعلا اتصلت بعم الفتاة، وأفضيت إليه برغبتي وطلبي، فاتصل بأخيه وأسرته وحددوا لي موعدا لأرى الفتاة وتراني، فإذا تمت موافقة كل منا على الآخر، شرعنا في الخطوات التالية.
وسافرت إلى المحلة في اليوم الموعود، ووجدت القوم ينتظرونني، وقد أعدوا ما يشبه أن يكون حفلا صغيرا، ورأيت الفتاة، والحمد لله قد أعجبتني، وحدثتها وحدثتني، وتجاوبنا معا، واتفقنا على أن نلتقي لقاء آخر بعد ظهور نتيجتها.
وعدت إلى القاهرة وأنا قرير العين سعيد الأحلام، لا تسعني الدنيا من الفرحة، صحيح أنها ليست محجبة، ولكنها محتشمة، ولا تمانع أن تتحجب في المستقبل، كما يبدو لي.
وبقيت أياما على هذه الحالة من السرور والاستبشار، حتى جاءني من يخبرني بأن الجماعة في المحلة يعتذرون عن عدم إتمام المشوار الذي بدأناه لظروف طارئة، لم يفصحوا عنها، ولا أدري حتى الآن ما هي؟
وقلت مرة أخرى: الزواج قسمة ونصيب
ثم رشح لي بعض الإخوة من طنطا فتاة من أسرة يعرفونها، ورتبوا لي لقاء في بيت أحدهم، وحضرت الفتاة مع بعض أهلها، وحضرت معهم، ورأيتها، كما رأتني، ولكنها لم تدخل قلبي، ولم ترق لي. وإن كانت هي قد استعجلت وأشاعت بين زميلاتها أن فلانا خطبني، مع أني لم أقل كلمة واحدة تفيد قبولي لها بالتصريح أو التلويح. وهذا آلمني كثيرا. فما أحب أن أجرح شعور أحد.
وكذلك رشح لي بعض أبناء قريتي ابنة أحد رجال القرية من موظفي شركة الغزل بالمحلة، وممن يقيمون بالمحلة منذ زمن، ودعاني والد الفتاة لأراها في منزله، وألقيت نظرة عليها، ولكنها للأسف لم تنل إعجابي، ولم ينفتح لها قلبي، وماذا أصنع في هذا القلب؟ إنني لا أملك أن أفتحه أو أغلقه، فإن الذي يفتحه ويغلقه هو الله.
ولقد تألمت من نفسي أشد الألم، واستبد بي شعور يكويني كيا كلذع الجمر؛ حيث لم تقع الفتاة موقعها مني، وقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، كيف أسمح لنفسي أن أؤذي مشاعر بنات الناس واحدة تلو الأخرى؟ وكأني وحيد دهري، وفريد عصري! ولماذا لا يكون العيب فيّ أنا، وليس في هؤلاء الفتيات؟ ربما كنت معجبًا بنفسي أو مغرورًا أكثر من اللازم، والعجب والغرور من (المهلكات) كما سماها الإمام الغزلي في (الإحياء)، أخذًا مما جاء في الحديث الشريف.
على كل حال قد آليت على نفسي ألا أرى الفتاة التي أريد خطبتها بهذه الطريقة الرسمية أبدًا. وإنما أفعل ما كان يفعله سيدنا جابر بن عبد الله عندما أراد أن يتزوج، فقد قال: كنت أتخبأ لها تحت شجرة، حتى رأيت منها ما دعاني إلى زواجها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق