الاثنين، 14 يناير 2013

زوج المرأة العاملة.. "عين على الجنة وعين على النار"

"اليوم الجمعة.. وهو أفضل أيام الأسبوع لدي، فأمي لن تخرج من البيت اليوم، ولن تشغلها المدرسة ولا غيرها عن الجلوس واللعب معنا" .. كلمات بسيطة عبرت بها الطفلة "مرام" البالغة 7 سنوات، لكنها تحمل في الطيّات الكثير من المشاعر التي ربما لم تستطع إيصالها، لتوصلها لنا وتعبر عنها السيدة "أم بهاء" من خلال رفضها العمل في إحدى المؤسسات حتى لا تعيد قصة أمها العاملة والتي حكم عليها عمُلها ألا ترى أولادها وتجلس معهم في اليوم سوى بضع ساعات..
ومن هنا انطلقت "فلسطين" لإلقاء الضوء على تلك القضية والنظر في جوانبها المختلفة.. حيث مشاعر الأولاد بغياب الأم عنهم.. ومدى تأثير عمل المرأة على العلاقة الزوجية؟ هل هي مقصرة في بيتها أو في حياتها الاجتماعية وحتى بحق نفسها؟أم هي مناضلة في عملين داخل البيت وخارجه؟
بَين بَين..
أبو زهير يتمثل الوسطية قائلاً:" لا أرى في عمل المرأة إشكالية طالما أنها لم تقصر بعملها داخل البيت، ولكن الأمر يختلف عندما يكون عملها سبباً في إهمال الأعمال المنزلية ورعاية الأبناء، فالأفضل لها ولأسرتها المكوث في البيت ترعى الأبناء وتؤدي الواجبات". 
مكانة مرموقة
السيدة أم باسم متقاعدة منذ عدة أعوام تقول لـ"فلسطين":" من خلال تجربتي فإن عمل المرأة أمرٌ رائع وممتع، رغم ما يحتاجه من جهد وطول بال خاصة مهنة التدريس، فهي أمانة ورسالة، ومن خلال العمل تحصل المرأة على مكانة مرموقة في بيتها وفي مجتمعها".
مخاسر!
بينما تناقضها السيدة أم جمال بالرأي معتبرةً أن عمل المرأة يخلق المشاكل الأسرية المختلفة، وإن كان له مكاسب مادية عظيمة فالخسائر المعنوية أكبر، وترفض أم جمال فكرة أن تعمل المرأة رفضاً تاماً حتى لا يفقد الأولاد الحنان والأمان وحتى لا تزرع الشوك بيديها.
أطفال يرفضون
أما بخصوص الأبناء فقد كانت لهم نظرة في هذا الموضوع وكلمة موحدة مفادها "لا تخرجي يا أمي، كوني معنا" ، فهذا محمد ابن العشر سنوات ابن ربة البيت يقول "أحب أن أعود من المدرسة وأجد أمي أمامي، وأشعر بالضيق إذا عدت وكانت خارج البيت، وأشعر بالسعادة أكثر عندما نأكل سوياً وننام سوياً".
أما منار البالغة 12 عاماً وأمها عاملة في إحدى المؤسسات بغزة تقول:"عندما أذهب للمدرسة تكون أمي قد ذهبت للعمل مبكرةً ، وعندما أعود لا أجدها في البيت بل في العمل، حتى أصبحت أكره البيت وهي غير موجودة ، وكثيراً ما أشعر بالغيرة عندما تتحدث صديقاتي عن علاقتهن بأمهاتهن، وكيف أنهن يستيقظن وتفطرن سوياً، وأتمنى أن أكون مكانهن".
بين السلب والإيجاب
وهنا يتحدث لنا أستاذ علم الاجتماع "أمين شبير" المحاضر في الجامعة الإسلامية، حول قضية عمل المرأة التي باتت محط أنظار الكثير فيقول:"عمل المرأة أمر لا بأس به، فللمرأة ما للرجل من علمٍ وعمل، ولكن عمل المرأة من شأنه أن يخلق عقبات وسلبيات كان من الممكن تفاديها لولاه، ومن هذه السلبيات: اضطراب البيت بشكل عام، سواء على صعيد الأبناء أو الزوج أو العلاقات الاجتماعية والتواصل مع الأقارب، وهناك من السلبيات الكثير التي قد تنمو مع الطفل عندما ينشأ دون أن يجد أمه بجانبه خاصة في موضوع التربية تلك التي تصقل شخصية الفرد منذ الصغر".
أم ثانية!
ويتابع:"إن ابتعدت الأم عن البيت تركت تربية الأبناء للأم الثانية إما في إحدى الحضانات أو عند بيت أحد الأقارب بالتالي تضارب في التربية واختلاف في الأفكار، ومن ثم يعيش الأطفال في اضطراب وقلق ما بين الأم "الحقيقية" والأم "المربية"، خاصة وأن تربية الطفل بحاجة لتركيز مكثف في السنوات الأولى".
آباء يجنون الحصرم وأبناء يضرسون
ويضيف:"هناك من السلبيات ما يعود على الابن في مدرسته، فنظراً لقلة الوقت عند الأم قد تغفل عن متابعة الأبناء من الناحية العلمية، الأمر الذي من شأنه أن يضعف الثقة بنفس الأبناء، فيلجأ للانطواء أو الشعور بالنقص، وقد يندفع الآباء للجوء إلى الدروس الخصوصية الباهظة الثمن، لتذهب الأموال هباءً، وربما تنمو لدى الطفل معايير غير سوية عندما لا يجد الرقيب الحريص على أقواله وأفعاله، ووقتها ماذا سيفيد الإرهاق والتعب والمال الذي سينفق من أجل تعديل سلوك الأبناء؟!"
فتور زوجي!
أما بالنسبة "للزوج" فيقول الأستاذ شبير :" عندما تخرج المرأة للعمل يبدأ الزوج يشعر بالفراغ والملل، وقد يضطر للقيام بأعمال المنزل ورعاية الأبناء، مما يدعوه للضجر وعدم تحمل الواقع الذي يجبره على القيام بما ليس من واجبه، حتى وإن كان المردود المادي مغرياً، والأمر يزداد سوءًا عندما تعود الزوجة من عملها منهكة القوى غير قادرة على القيام بعملها الآخر "الأساسي"، مما قد يقلل من احتكاك الزوجين أملاً في الحصول على قدر من الراحة، ومن ثم ليس من الغريب أن تفتر العلاقة بينهما".
ويواصل:" العمل قد يجعل بعض النساء تفكر في الاستغناء عن الرجل خاصة عندما ترى المردود المادي لعملها، فتتمرد على حقه في القوامة والولاية مما يؤدي لفساد العلاقة بين الرجل والمرأة، وتمزّق شمل الأسرة.
رؤية شرعية
وللإسلام النظرة الأهم في تلك القضية، والتي سنوضحها من خلال حديث الدكتور عدنان الكحلوت الذي بدأه بتوضيح الأصل في المرأة وفي عملها وهو القرار في البيت والعمل داخله، وأن العمل خارج البيت خروج عن الأصل فمهمتها الأساس أن تكون راعية لأسرتها، مربية لأطفالها.
أعفاها من العناء
ويواصل:"لقد تكفل الشرع للمرأة بضمانات تجعل بقاءها في بيتها عزاً لها وكرامة، وخفض لها جناح الرحمة والرعاية في أمر الأعباء الاقتصادية فكفل لها من أسباب الرزق ما يصونها عن التبذل ويحميها من عناء الكدح في الحياة فأعفاها من كافة أعباء المعيشة وألقاها على كاهل الرجل وهذه النفقة حق للمرأة ونصيب مفروض في ماله وليست تفضّلاً منه أو منّة".
فطرة..
ويتابع: لكن عملها لابد وأن يكون بقدر، فالإسلام دين يتلاءم مع الفطرة لقوله تعالى:"لا يكلف الله نفساً إلا وسعها"، ولأن المرأة تختلف عن الرجل من حيث التكوين البيولوجي وهذا بدوره يفرض أعمالاً معينة تناسب كلاً منهما، فكما أن الرجال لا يصلحون للقيام بتربية الأطفال"حضانةً ورعاية"، فالنساء لا يصلحن لقيادة المدرعات وإقامة الجسور وغيرها من المهن الشاقة، وإن كان هناك تجاوزات في هذا الشأن فإنها تتعارض مع طبيعة المرأة وفطرتها قبل أن تتعارض مع الإسلام وأحكامه.
شقائق الرجال..
بعد هذا العرض لتلك المشاكل والسلبيات، قد يظن البعض أن في هذا تنفير من عمل المرأة أو أخذ الجانب السلبي فحسب، فللمرأة العاملة دور إيجابي كبير يوضحه الأستاذ شبير في قوله:"رغم ما لعمل المرأة من إشكاليات قد تضع المرأة نفسها بها والأبناء والزوج، إلا أن خروجها للعمل يكسبها خبرات اجتماعية واسعة ويضمن لها الاطلاع على الواقع من خلال معايشة الظروف، وتلك الخبرات تمكنها من استيعاب المشاكل والقدرة على حلها إذا ما واجهتها أو تعرّض لها أولادُها ".
عاملات في عهد الرسول
ويشاركه الرأي د. الكحلوت الذي يقول مستدركاً:"ولكن إن احتاج الأمر للعمل خارج المنزل فلا مانع منه، لأن الإسلام أجاز لها العمل، والأدلة كثيرة على أن النساء في عهد الرسول قد عملن في غير البيت، فها هي سيدتنا "خديجة" رضي الله عنها تعمل في التجارة الخارجية والرسول عليه الصلاة والسلام كان من الرجال الذين عملوا معها".
وها هي أسماء بنت أبي بكر تقول:"تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال، ولا مملوك، فكنت أعلف فرسه وأسقي الماء وأخرز غربه وأعجن، وكنت أنقل من النوى من أرض الزبير على رأسي".
أما عائشة فقالت:"علموا بناتكن الغزل"، فهي بهذا تدعو للعمل".
ولها الأجر..
ويتابع د. الكحلوت:" وعندما تعمل المرأة خارج بيتها وتنفق على أولادها وتساند زوجها فإن لها الأجر عند الله، لأن النفقة واجبة على الزوج ولم تكن عليها فرضاً يوماً ولا تحت أي ظرف من الظروف، من ثم فإن مالها يعتبر تفضلاً وتكرماً لا فريضة".
التصرف بمالها..
أما عن المال الذي تجنيه المرأة من تعبها فيقول فيه د. الكحلوت:" من حيث المبدأ فإن المال حقها، ولكن للفقهاء رأي في هذا حيث يجوز للرجل أن يأخذ جزءًا من مالها "كحقّ" لأنه تنازل عن بعض حقوقه نتيجة تغيبها، وهذا أول الآراء، أما الرأي الآخر "فالمال حقها" لا يجوز للزوج أن يتصرف به كحق له، وذلك لأنه تنازل عن حقوقه بمحض إرادته".
عمل مشروط!
وكما يقول د.الكحلوت فإن الإسلام لم يقبل للمرأة العمل في مكانٍ تُهان فيه أنوثتها أو كرامتها ، ولم يُجوّز لها الخروج متبرجة، ويدلل على ذلك بقول الله تعالى:"وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"، كما لم يسمح لها بالاختلاط والخلوة وذلك لقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام :"ما اختلى رجل بامرأة إلا وثالثهما الشيطان"، كذلك قول رسولنا عليه الصلاة والسلام:"ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
امرأة عاملة وبيت سويّ
ولكن هل للمرأة أن توفق بين عمليها دون إحداث أية خسائر؟ بلا شك يمكن تحقيق ذلك وهذا ما أوضحه الأستاذ شبير بقوله:"بإمكان المرأة أن تقوم بواجبها على أكمل وجه إذا ما تفهّم زوجُها طبيعة المرأة وطبيعة عملها وظروفها من خلال الوقوف معها ومساندتها ودعمها نفسياً ومعنوياً لأنها بالأساس أم أولاده وهي المساندة الأولى له مادياً ومعنوياً، من خلال مشاركتها في رفع مستوى المعيشة وتحقيق أفضل مستوى معيشي لأسرتها، فلا يمتعض إن شاركها في أعمالها، مخففاً عنها العبء الكبير، مقتدياً بقول الله تعالى:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، وهذا له أثره الإيجابي الآخر فعندما ينشأ الأبناء في بيت شعاره التعاون والاحترام شبوا على ذلك ودعموه، واكتسبوا أفضل القيم والعادات".
تعاون أسري
ولا زال الأستاذ شبير يضيف:"بإمكان المرأة أن تحقق السعادة والتربية السوية في بيتها من خلال التعامل الطبيعي مع أولادها، فتشركهم معها في جو أسري تعاوني، وتعلمهم الآداب والأخلاق من خلال أصغر المواقف في المنزل ويكفي أن تكون وزوجها القدوة الحسنة لتضمن حسن أخلاقهم وتربيتهم حتى وإن كان وقت اجتماعهم قصير، وكلما كان التفاهم والتراضي بين الأزواج واضحاً كلما كان البيت سوياً"، ويؤكد أستاذ شبير على أهمية إدارة الوقت الذي من شأنه أن يجعل الوقت مُستغَلاً بأفضل الأشكال.
ومن هنا نصل إلى أن المرأة تلعب دوراً بارزاً في الحراك الاجتماعي إما صعوداً أو هبوطاً، وكلما حرصت على تأدية الأمانة في بيتها وخارجه كان الله بعونها والمجتمع ومن حولها، أما إن تنحّت عن هدفها وبات المال لأجل المال همها تكون قد خلقت التعاسة بيدها لنفسها وأولادها وزوجها.. ووقتها من ذا الذي سينتفع بمالها ويعوض هدر طاقتها؟!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق